رسالة رعوية بقلم راعي الأبرشية نيافة الحبر الجليل مار بطرس قسيس

بمناسبة انقضاء العام الأول لتجليسه مطراناً على كرسي أبرشية حلب وتوابعها للسريان الأرثوذكس

آبائي وأخوتي وأبنائي الكهنة والشمامسة ونواب رئيس وأعضاء المجالس الملية والمؤسسات واللجان العاملة وعموم مؤمني أبرشية حلب وتوابعها للسريان الأرثوذكس في الوطن والمهجر.

لتشملكم نعمة الرب يسوع وسلامه ومبارك اسمه القدوس دائماً وأبداً آمين.

بعد تفقد خواطركم العزيزة والصلاة من أجل خلاص نفوسكم أقول،

“مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزّينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزّي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزّى نحن بها من الله” (كورنثوس الثانية 1: 3-4)

بانقضاء العام الأول لخدمتي معكم وبينكم كمطران لهذه الأبرشية التاريخية العريقة، والتي أكمَلَتْ ما بدأناه سوية من عام 2015، حين تعييني معتمداً بطريركياً للأبرشية على إثر تغييب مطران الأبرشية الحاضر معنا بالروح نيافة الحبر الجليل مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم، أجدها فرصة مناسبة كي أخاطبكم برسالة روحية أعبّر لكم فيها عن محبتي وتقديري لكل واحد فيكم، يا من كنتم خير رعية في زمن قاس وصعب علينا جميعاً، واحتملتم وصبرتم على ما مررنا به من ضيقات مواجهين بشجاعة كل التحديات والصعوبات، ما يكشف ما تتمتعون به من إيمان عميق بالرب يسوع ورجاء وطيد بمشيئته الصالحة ومحبة صادقة وشفافة لكنيستكم ولبعضكم البعض “محتملين بعظكم بعضاً في المحبة” (أفسس 4: 2).

وكان ما مررنا به في شهر شباط المنصرم، حينما اهتزت الأرض تحت أقدامنا واهتزت معها مشاعرنا، دون أن تهز إرادة ضمائرنا للخير وللسعي الطيب بين الناس، كان خير امتحان لتماسكنا وشجاعتنا. فالعمل الروحي والإنساني العظيم الذي قامت به المطرانية بكل فعالياتها ومؤسساتها ولجانها الخيرية والاغاثية، صار حديث الناس ومدعاة للفخر بين أبناء المجتمع الحلبي عموماً والمسيحي خصوصاً. وما كان ذلك إلا تجسيداً للطيبة التي يتميز بها المؤمن السرياني، والتي تجعله ينسى وجعه عندما يواجه أوجاع الآخرين ويتجاوز عن احتياجاته عندما يسعى لتلبية احتياجات الآخرين “مهتمين بعضكم لبعض اهتماماً واحداً” (رومية 12: 16). فليبارك الرب كل من تعب وضحى بوقته أو بجهده أو بماله وليعطه من البركات السماوية ما يستحقه.

نعم يا أحبة، كانت الفترة الماضية، على صعوبتها وقسوتها، فترة عمل وإنجاز، بل إنجازات على غير صعيد. ولا أقول أننا استطعنا تحقيق كل أحلامنا، لا بل على العكس. ما نحلم به سقفه عال وعال جداً. وما زال أمامنا الكثير لنحققه سوية، وخاصة على المستوى الروحي، بالتعاون مع الكوادر العظيمة والخبيرة التي تضمها رعيتنا والتي تشترك معي بالحلم ونتوق سوية لرؤيتكم تشعون وتحلقون عالياً في سماء الروح.

ولكن ما يؤرق بالنا ويسيطر على تفكيرنا هي الهجرة، التي زادت نسبتها في الأعوام الأخيرة لأسباب كثيرة أهمها اقتصادية، وأثرت بشكل سلبي على عدد المسيحيين في الشرق ودورهم في المجتمع. ومع سعينا الحثيث لتأمين ولو جزء معين من مستلزمات الاسر المحتاجة، إلا أن ما يحدث في سورية من استمرار لحالة عدم الاستقرار، وما يتبعها من تضخم اقتصادي وانهيار بسعر الصرف وغلاء فاحش في أسعار جميع المواد، يصعّب المهمة علينا جداً ويجعلكم تفكرون في بدء مسيرة جديدة في مكان آخر من العالم. ومع ذلك، سنستمر في خططنا العملية لتمكينكم مادياً عبر برامجنا الاغاثية المتعددة ودعمنا المستمر للمشاريع الصغيرة والمتناهية في الصغر بكل أنواعها، وقيامنا بإصلاح محلاتكم التجارية وتأمين معدات العمل لمن يرغب في البقاء. وما مؤسساتنا الخدمية في حلب، مثل مدارسنا ومستوصفاتنا ودار العجزة والمشفى السوري الفرنسي وغيرها، إلا فرص عمل جيدة تستطيع تقديم استقرار مادي لكم في هذا الزمن الصعب. لذلك ندعوكم للصبر وتقوية ومساندة بعضكم البعض “حتى إننا نحن أنفسنا نفتخر بكم في كنائس الله، من أجل صبركم وإيمانكم في جميع اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها” (تسالونيكي الثانية 1: 4).

أحبائي: ما زال أمامنا عمل كبير ومهم فيما تبقى من هذا العام وفي الأشهر الأولى من العام القادم، يتابع ما بدأناه خلال الأشهر الماضية وأنهينا بعضه بجهد وتعب كبيرين، وأذكر على وجه الخصوص                  لا الحصر: أعمال ترميم بيوت المؤمنين ومحلاتهم التجارية، وإصلاح أوقافنا الكنسية من مدارس ومراكز صحية وغيرها والتي تضررت بشكل جزئي من الزلزال. وقد انطلق مؤخراً مشروع ترميم كنيستَي مار أفرام ومار جرجس، ونمضي قدماً بتجهيز ملحقات كنيسة السيدة العذراء باللاذقية. وسنستكمل قريباً اعمال اصلاح المشفى السوري الفرنسي، كما سنفتتح دار الرحمة للمسنين في الربيع القادم.

ليس هذا فقط ما سيجعل العام 2024 عاماً استثنائياً، بل سَعينا الجدي والحثيث للاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لحدثين هامين في تاريخ كنيستنا السريانية الارثوذكسية بحلب:

الحدث الأول هو مرور مائة عام على هجرة أهالينا من مدينة الرها المباركة ووصولهم إلى مدينة حلب وتأسيسهم لمرعيث مار جرجس.

والحدث الثاني هو مرور مائة عام على تقديس كاتدرائية مار أفرام السرياني في محلة السليمانية وبدء تنظيم الرعية بكافة مؤسساتها.

كلا الحَدَثَين مهمَّين وبحاجة لمجهود استثنائي حتى يخرجا بالصورة اللائقة والمناسبة. ولهذا سنشكل لجان خاصة مهمتها التخطيط للفعاليات الروحية والثقافية التي ستنير مدار العام 2024، والاشراف عليها وتنفيذها، وجلّ هذه اللجان من المؤمنين الغيورين والمهتمين بالتاريخ والحضارة والفنون السريانية.

وبمعونة لله، سنعمل على أن يستمر العمل الاغاثي في نطاق أبرشيتنا الواسع لإعانة المحتاجين، وسنشهد تواجداً فعالاً لهيئة مار أفرام السرياني البطريركية للتنمية ومشاريعها الاغاثية والتنموية، وهذا بفضل الدعم الكبير من منظمات عالمية ومحلية وأيضاً من أبناء كنيستنا الغيارى في الوطن والانتشار، فلهم جميعاً كل الشكر والامتنان، لولاهم كانت حياتنا أصعب وظروفنا أقسى.

أخيراً، أوصيكم أيها الأحبة أن تتقووا في الرب وتقاوموا الشرير وكل جنوده، لابسين سلاح الروح وعاملين بقلب طاهر الواحد لخير الآخر. وكونوا على يقين أن كنيستكم ستبقى إلى جانبكم وستعينكم في أشد احتياجاتكم، لأنه هذه هي دعوتها من يوم تأسيسها وإلى انقضاء الدهر.

وليفرحنا الرب بعودة راعينا الجليل مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم إلى كنيسته وأحبائه الذين ينتظرونه برجاء المؤمنين الذي لا ينقطع ولا يفشل.

سلامي ومحبتي لجميع الأحبة أبناء الأبرشية في المهجر، والذين لم ينسوا أنهم أبناء كنيسة حلب العريقة، فيشرفونها في كل المجالات ويقدمون ما استطاعوا بسخاء لإعانة أهلهم وكنيستهم.

بارككم الرب الإله ببركاته السماوية.

صلوا لأجلي.

حلب في 15 تشرين الأول 2023

راعيكم والمؤتمن على خلاص نفوسكم

      المطران بطرس قسيس