كلمة راعي الأبرشية، نيافة الحبر الجليل مار بطرس قسيس، في حفل افتتاح فعالية “حروف من نور” التي تقيمها مطرانيتنا السريانية الأرثوذكسية بحلب بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم

حلب – منارة حلب القديمة

الثلاثاء 20 شباط 2024

السيد ممثل محافظ حلب الموقر

الرفيق ممثل أمين فرع حلب لحزب البعث العربي الاشتراكي

سماحة مفتي حلب

حضرة مدير أوقاف حلب

السادة رجال الدين المسيحي والإسلامي المحترمين

ضيوفنا الكرام،

بريخ رمشو

أحييكم بلغتنا السريانية المقدسة متمنياً لكم مساءً مباركاً وأشكركم على وجودكم معنا اليوم. في هذه الفعالية التي اخترنا تسميتها “حروف من نور”، ونقيمها بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، وهي بالنسبة لشعبنا السرياني، سليل الشهداء وأصل البشارة ومنبع الإيمان، اللغة السريانية المقدسة. لسان أهل الشام وما بين النهرين والعراق وما تعداها، لغة الأنبياء والمرسلين، لغة السيد المسيح والكتاب المقدس وكتب الآباء، لغة الحضارة والثقافة والتجارة لمنطقتنا المشرقية لقرون مضت، لغة الشعر والنثر والقصص والأساطير.

لغةٌ تمتد بجذورها عميقاً إلى أصل البشرية حتى أنها دُعيت بالسامية نسبة إلى سام ابن أبينا نوح. لغةُ سورية القديمة التي ما زالت تحيا فيها عبر كنائسها السريانية وشعبها السوري، وأسماء مناطقها وأنهارها وجبالها، تعشعش في لهجاتها المتعددة في كثيرٍ من الكلمات السريانية أو ذات الأصول السريانية. كل هذا وغيره يشهد لقوة هذه اللغة المقدسة وللأثر العظيم الذي تركته في تاريخنا المشرف وحضارتنا المجيدة.

فشكراً لهذا البلد المعطاء سورية، الذي شكل ملاذاً آمناً لهذه اللغة ولكل الناطقين بها. بعدما ألمت بهم أحداثٌ أليمة ومجارز يندى لها الجبين، وذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، وعلى أثرها انتشروا في كل جغرافيتها، وشكلوا مع من لم ينقطع وجودهم من هذه الأرض، امتداداً لقبائل وأقوام سريانية سورية أصيلة.

أيها الأحبة: أكاشفكم بأننا أردنا أن تشكل فعاليتنا هذه محفزاً وانطلاقاً لسلسلة من الفعاليات الهامة لأبناء كنيستنا السريانية الأرثوذكسية في حلب والعالم. ففي مثل هذا السنة قبل مائة عام، وتحديداً في شهر شباط من عام 1924 أتت أفواج من شعبنا السرياني من منطقة الرها وسكنت هذه المدينة المباركة في البقعة المسماة اليوم حي السريان، وما تزال. وكانت سابقاً قد أتت أفواج أخرى من مدن ماردين وديار بكر وطور عبدين وغيرها وسكنت منطقة السليمانية وشيدت كاتدرائية مار أفرام السرياني في نيسان من العام 1924. فإذاً، تشكل فعاليتنا هذه محور انطلاقة هامة للاحتفال بهذه الحدثين المركزيين في تاريخنا الحديث. هذا أولاً.

وثانياً نريد بهذه الفعالية التأكيد والاصرار على أن سورية غنية بتعددها الثقافي والحضاري واللغوي، لا بل من أغنى دول العالم، ليس فقط في العصور الغابرة، بل وأيضاً في عصرنا الحديث. ويمكنها بسهولة أن تصير أكثر غنىً في حال استطاعت مكوناتها الثقافية اظهار كنوزها الدفينة بما يخدمها ويخدم باقي الأنسجة المكونة لفسيفسائها البديع.

لذا يجب علينا ألا نخاف من التعددية ولا نقلق من التمايز. بل على العكس. العناصر المكونة لبلدنا وحضارتنا، وإن كانت قد نشأت في أزمنة متنوعة وظروف مختلفة، إلا أن تاريخها يشهد على أنها استطاعت العيش مع بعضها البعض بشكل فريد وخدم الواحد الآخر وثبَّته أكثر من أن يلغيه.

هذا هو حال لغتنا السريانية المقدسة، التي أعطت أكثر مما أخذت، ولكنها في عطائها اكتسبت غنى لا حد له، واستمرت حتى اليوم منطوقة بلسان الملايين حول العالم، وحاملة لإرث حضاري وثقافي قل مثيله.

نحملكم إذا هذه الأمانة أيتها الأجيال الحالية والقادمة، يا أبناء سورية بأطفالها وشبانها وشبيبها، يا قيادات سورية الأمينة على تراثها، أيتها المنظمات الثقافية والجمعيات المدنية والدينية، تعالوا نكن يداً واحدة لكي نظهر إرثنا الحضاري الفريد للعالم أجمع، ونسلمه صحيحاً إلى الأجيال القادمة، عساها تعيش بواقع أفضل من واقعنا. ولا يسعنا هنا إلا أن نشكر الأمانة السورية للتنمية على جهودها الكبيرة في مجال صون التراث والهوية السورية ويسعدنا أن نشكل معها اليوم جسماً واحداً كأحفاد الشعب السرياني الآرامي في سورية والشرق.

يشرفنا اليوم حضوركم بيننا يا من تمثلون سورية بكل أطيافها. وخصوصاً قيادات المدينة السياسية والحزبية والدينية والثقافية والفنية. ويسعدنا أن نرحب بعاشقة اللغة السريانية الفنانة السورية الأصيلة سلاف فواخرجي شاكرين إياها على تلبية دعوتنا للاحتفال معنا اليوم.

نعدكم ببرنامج غني ومنوع يمتد على مدى ثلاثة أيام. فيه الكثير من الشغف والعشق للغة سورية الأصلية. عسانا نتوفق في اظهار غناها وثراها لكل المهتمين.

أخيراً يسرنا أن نعلمكم عن إطلاقنا لمسابقة خاصة باللغة السريانية وهي تحدي القراءة السريانية، وذلك في مدارس طائفتنا السريانية الأرثوذكسية بحلب، بني تغلب الأولى وبني تغلب الثانية، وبدعم من المدرسة السريانية.

شكر جزيل لشريكنا في هذا الاحتفالية الأمانة السورية للتنمية.

شكر جزيل لكل من ساعد في إعداد وتنظيم هذه الفعالية.

الخلود لذكرى شهداء جيشنا العربي السوري.

والنصر والسلام لبلدنا.