أجرى موقع عنكاوا كوم لقاءً مع نيافة المطران مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم، متروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس،بعد عودته من اللقاء السنوي الذي تدعو إليه جماعة سانت إيجيدو منذ عام 1987، وعشية مغادرته حلب متوجهاً إلى حاضرة الفاتيكان للمشاركة بصفة مراقب في سينودس الأساقفة : الجمعية الخاصة من أجل الشرق الأوسط، وطرحت هذه الأسئلة على نيافته :
س : ماذا يعني هذا اللقاء السنوي الذي ترعاه جماعة سانت إيجيديو؟
ج : في سنة 1986 دعا قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى لقاءٍ فريدٍ من نوعه، في مدينة أسيزي، ضمّ رؤساء، وممثلي الأديان الكبرى في العالم، وبتكليف من قداسة سيدنا البطريرك المعظّم مار إغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي الطوبى، شاركتًُ يومئذٍ في هذا اللقاء، وعرفتُ أن قداسة البابا الراحل كان يفتّش عن ساعة صلاة نابعة من قلوب كل المؤمنين بالله تعالى، لإحلال السلام العادل في العالم، وتحقق حلم قداسته في ذلك اليوم، لأن معظم الأطراف المتناحرة في كل المعمورة، استجابت إلى نداء قداسته، وأعلنت الهدنة ليوم كامل، وكانت هذه إشارة واضحة إلى أن السلام يمكن أن يحصل بوجود الإرادة الطيبة.
س : وماذا بعد لقاء أسيزي التاريخي؟
ج : في روما توجد جماعة معروفة باسم جماعة سانت إيجيديو. حضرتْ هذا اللقاء وساهمتْ وقتئذٍ في عملية التنظيم، وآمنتْ بأن عملاً روحياً من هذا النوع يجب أن يستمر، وقرّرتْ أن تنسج على منوال قداسة البابا، فتدعو رؤساء وممثلي الأديان الكبرى إلى لقاء سنوي في إيطاليا أو خارجها. وهكذا منذ عام 1987، وفي كل سنة تختار جماعة سانت إيجيديو موضوعاً، يكون عنوان اللقاء، ويُفتَتَح اللقاء بقداسٍ إلهي، ويُختَتَم بصلاةٍ من ممثلي الأديان من أجل السلام كلٌ بحسب تقليده وبترتيب مسبق، ثم لقاء في ساحةٍ ما، بعدها الانتقال إلى منصةٍ كبرى حيث تتلى شهادات في أنحاء العالم، وبعد ذلك كلمة لمؤسس جماعة سانت إيجيديو : البورفسور أندريا ريكاردي، وتلاوةُ بيانٍ ختامي وإيقاد شعلة، والتوقيع على البيان، وتبادل السلام، وكل ذلك في بروتوكول جميل جداً يشاهده ملايين من الناس على شاشات التلفزيون.
س: ماذا كان موضوع لقاء هذه السنة؟ وأين عُقِد الاجتماع؟
ج : في اللقاء الختامي للسنة المنصرمة، دعا الكاردينالLluís Martínez Sistach رئيس أساقفة برشلونة – إسبانيا، جماعة سانت إيجيديو لعقد لقائها السنوي في برشلونة بين 3-5 /تشرين الأول /2010، وكان العنوان : أن نعيش بسلام في وقت الأزمة ـ عائلة الشعوب، عائلة الله.
لقد تضمّنت كلمات بعض رؤساء الدول وممثلي الأديان في يوم الافتتاح، تأكيداً على التزام المؤمنين بالله، بالعمل لأجل السلام. فالسلام هو اسم من أسماء الله، وهو عطية إلهية، ويعمل من أجل تحقيقه كل أصحاب الإرادة الطيبة. بعد ذلك توزّع المشاركون في هذا اللقاء على 24 ندوة، ولكل ندوة عنوان، شارك فيها عدد من الباحثين، ورجال الدين، واللاهوتيين، والسياسيين، للإدلاء بآرائهم. مثلاً واحدة من الندوات كان عنوانها : المجانية في حقبة السوق العالمي، وأخرى : ضرورة الوحدة المسيحية، وثالثة : لا عدالة بدون حياة، ورابعة: المصير المشترك، ثم المسيحيون والإسلام في حوار، بعدها : ضعف القوة في الصلاة، وندوة عن : روح أسيزي، وأخرى عن : الحوار المسيحي الإسلامي اليوم.
س : أنتم في أية ندوة اشتركتم ؟
ج : لقد اشتركت في ندوة البحر المتوسط ـ ساحة لقاء، وكنا ثلاثة من الوطن العربي: الإعلامية خديجة بن قنّة من قناة الجزيرة، المطران غالب موسى عبدالله بدر رئيس أساقفة الجزائر، وكان معنا أيضاً نيافة الكاردينال Crescenzio Sepe رئيس أساقفة نابولي، والسيد Vincenzo Scotti معاون وزير الدولة للشؤون الخارجية في إيطاليا، والسيدSenén Florensa i Paula رئيس المعهد الأوربي البحر أوسطي في إسبانيا.
وقد دارت الأبحاث في هذه الطاولة حول كيفية تطوير العمل معاً من أجل خلق مناح مناسب للقاء بين الأديان، والثقافات، والإثنيات، في حوض البحر الأبيض المتوسط. وأما كلمتي فدارت بشكل خاص في مجال التربية، التي لها دور كبير في تطوير هذا المناخ المطلوب.
س: ننتقل إلى موضوع آخر، إنكم ستحضرون سينودس الأساقفة الجمعية الخاصة من أجل الشرق الأوسط في روما بين 10-25 أكتوبر/ تشرين الأول 2010، هل نستطيع أن نسمع من نيافتكم عن تعليقكم الخاص على السينودس؟
ج : أولاً أُعلِنُ بأنه فخرٌ كبير لي أن أشارك في سينودس الأساقفة الكاثوليك، الجمعية الخاصة من أجل الشرق الأوسط بتكليفٍ خاص من قداسة سيدنا البطريرك المعظّم مار إغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي الطوبى، الذي وجهّني في أن أمثّله، وأعلن باسمه عن مفهوم كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية، بما له علاقة بعنوان هذا السينودس وهو : شركة وشهادة.
وقداسته يحمل في قلبه الكبير رؤية صادقة لما يجري اليوم على أرض الواقع بالنسبة للحضور المسيحي، وهو يصلي دائماً ليكون هذا الحضور فعّالاً، ولتكون شعلة العطاء مُضاءةً من خلال مواقف الكنيسة المسيحية في هذا الشرق الحبيب.
س: إذاً أنتم تحضرون هذا السينودس بصفة مراقب؟
ج : نعم، كنيستنا دائماً حضرت وشاركت في الماضي في لقاءاتٍ مسكونية على كل المستويات، وقداسة البطريرك زكا الأول مثّل في الستينيات من القرن الماضي كنيستنا بصفة مراقب في المجمع الفاتيكاني الثاني، وكان دوره مميزاً في ذلك الوقت. وها أنا أنسج على منواله، فأحضر بصفة مراقب لهذا السينودس الهام الذي يعتمد على آيةٍ وردت في سفر أعمال الرسل وهي : وكان جماعة المؤمنين قلباً واحداً، وروحاً واحدة (أعمال 4 : 32). إننا فعلاً نؤمن بأن لنا قلباً واحداً، وروحاً واحدة، لأننا أعضاء في جماعة المؤمنين.
س : برأيكم ما هي خلفية هذا السينودس؟
ج : أولاً، المعلومات التي توفّرت لدينا، أنّ قداسة البابا بندكتوس السادس عشر تأثّر كثيراً عندما عرض غبطة بطريرك وأساقفة الكنيسة الكلدانية وضع العراق على قداسته. وكان اقتراح سيادة المطران لويس ساكو، رئيس أساقفة كركوك، بأن يُعقَد هذا السينودس من أجل الشرق الأوسط، لمناقشة ما يجري على أرض الواقع، في الشرق الأوسط عامة وفي العراق بصورة خاصة، وما له علاقة بالشهادة والحضور المسيحي. فمن هنا نرى أن الأحداث المأساوية الخطيرة التي جاءت بها محنة العراق هي التي حثّت الكنيسة الكلدانية أولاً ثم كل المسيحيين وأخيراً الفاتيكان، وقداسة البابا تحديداً لإعلان عقد هذا السينودس. ثانياً : نحن جزءٌ لا يتجزّأ من هذا الهم الكبير في المنطقة، فكيف نستطيع أن نؤكّد على شركتنا الروحية مع بعضنا بعضاً ككنائس تنتمي إلى تقاليد متنوّعة، ورئاسات كنسية مستقلة، وكيف نستطيع أيضاً أن نساهم معاً في شهادةٍ واحدة من أجل الحضور المسيحي. لقد ساهمت الكنائس في مجالات ماضية في هذا الموضوع. ولكن الآن هجرة المسيحيين من المنطقة بشكلٍ مريع هو الدافع الأكبر لدراسة إمكانية وقف هذا النزيف.
س: على ذِكر حماية المسيحيين، تناقلت وكالات الأنباء قولاً على لسان نيافتكم في لقاء برشلونة عن حماية المسيحيين. هل نستطيع أن نسمع من نيافتكم شيئاً عن هذا الموضوع؟
ج : في الندوة الـ 18 بعنوان : المهاجرون والمستقبل، وقد ترأسّها كاردينال واشنطن المتقاعد Theodore Edgar McCarrick، وشارك فيها وزير الشؤون الدينية في إقليم كردستان السيد كامل علي عزيز، والباحث عبد المجيد النجّار الأمين العام المساعد لمجلس الفتوى والبحث الأوربي في فرنسا، كانت لي مداخلة، قلتُ فيها: أن نعالج مشكلة المهاجرين، وقد زاد عددهم في الآونة الأخيرة، هو حقٌ. فللمهاجرين حقوق لا بدّ وأن تضمنها الشعوب والأمم والدول، وحتى الرئاسات الدينية، ولكن هذا لا يجب أن ينسينا معالجة بقاء المسيحيين في الشرق الأوسط، فاليوم نشعر بخطر حقيقي يحيط بنا، لأن موجة الهجرة القسرية تتنامى في كل دول الشرق الأوسط، ووراء الأحداث المأساوية التي تقع هنا وهناك في العالم العربي والإسلامي توجد دوافع لهجرة المسيحيين القسرية في المنطقة. وهنا أشرتُ إلى وضع المسيحيين بصورة خاصة في العراق. وقلتُ أن حوالي 400000 مسيحياً هُجِّروا بشكلٍ قسري من ديار آبائهم، ودفعوا ثمن هذه الهجرة : العيش في الشتات دون أن يكون لهم بصيص من الأمل، للمّ شمل العائلات، وضياعاً للتقاليد الدينية، والعادات الاجتماعية، والموروث الثقافي، واللغة، وأيضاً الرؤية التي جمعت بين أتباع الديانات في المنطقة.
ووجّهتُ نداءً قلتُ فيه : أن على المنطقة أن تحمي البقية الباقية من المسيحيين، لئلاّ تُفرَض عليهم الهجرة القسرية بأشكالٍ مختلفة، خاصةً وأن المسيحيين، ليسوا غرباء، ولا وافدين من بلدٍ آخر، بل هم سكان البلاد الأصليين، ولهم تاريخ طويل في النضال المشترك من أجل بقاء بلدانهم في حالة حرية واستقرار وسلام.
س: وماذا كان تعليق المشاركين والحضور في الندوة؟
ج : رد فعل رئيس الجلسة الكاردينال McCarrick كان سريعاً، فلقد أيّد ما قلته، وطالبَ العالم كلّه ليلتفت إلى حاجة الشرق الأوسط إلى استقرار، وسلام، وحماية المسيحيين في تلك البلدان، وهكذا كل المشاركين وبعض الحضور.
س: ماذا تتوقعون من سينودس الأساقفة في روما؟
ج : إنني أتطلّع إلى أملٍ كبير بأن المناقشات التي ستجري في حاضرة الفاتيكان، خلال الأسبوعين القادمين ستؤدي إلى جملة توصيات وتمنيات تكون كفيلة، لتشجيع المسيحيين للبقاء في أوطانهم، والمساهمة الفعّالة لبنائها، وللاشتراك مع أخوانهم من بقية الأديان خاصة من المسلمين الذين يمدون يد العون من خلال حوار حياة يومي للمحافظة على هذا النسيج الوطني الذي يجمع بين الأخوة والأخوات تحت سقف المواطنة.
س: هل لكم كلمة في نهاية هذا اللقاء؟
ج : أعتقد أن الصلاة تنفع كثيراً في هذا المجال، لهذا أتمنّى على المسيحيين في الشرق الأوسط أن يخصّصوا ساعات صلاة في فترة انعقاد السينودس ليكون الله مع المؤتمرين في سينودس الأساقفة، ليخرجوا بقرارات هامة، وتوصيات نافعة ومهمة تتعلّق بشهادتهم وحضورهم، وأتمنّى أيضاً على الأخوة المسلمين وعلى الحكومات العربية والإسلامية أن يكون في برنامج الكل ما يكفل حماية المسيحيين، ودفعهم للبقاء في أوطانهم، وعدم السماح للهجرة القسرية إلى خارج منطقتهم.