ألقى الشيخ أحمد بدرالدين حسون المفتي العام للجمهورية العربية السورية، والمطران يوحنا إبراهيم مطران السريان الأرثوذكس في حلب، على مدرج مديرية الثقافة في مدينة حلب مساء يوم الخميس 21/1/2010 محاضرة تحدثا فيها عن رأي الإسلام والمسيحية في القضايا الطبية المعاصرة : الموت الرحيم ـ الإجهاض ـ نقل الأعضاء ـ الاستنساخ.
وحضر اللقاء، الذي دعت إليه نقابة أطباء الأسنان في حلب، وزير الثقافة وشخصيات قيادية وأطباء واختصاصيين ورجال دين مسلمين ومسيحيين وجمهور من الحضور تجاوز الـ /400/.
وبدأ إبراهيم المحاضرة مبيناً بأن كل ما يرد على لساني عن هذه القضايا اليوم هي عبارة عن رأي واجتهاد شخصي من خلال مشاركاتي في بعض المؤتمرات، لا تمثل موقف الكنيسة المسيحية، التي لم تتفق على رأي واحد أو قانون محدد إلى اليوم، مشيراً إلى أنه يوجد في كل الكنائس المسيحية أناس يتبنون آراء متطرفة غير مقبولة من قبل المرجعيات الكنسية وما يعلن في وسائل الإعلام عن هذه المجموعات ونشاطاتهم لا تبت بموقف المسيحية بصلة رغم أنهم مسيحيون.
محاضرة بعنوان رأي الإسلام والمسيحية في قضايا طبية معاصرة
بدوره أوضح حسون بأنه نملك في العالمين العربي والإسلامي مجامع فقهية في مصر والكويت والسعودية واتحاد المسلمين الأوروبيين وشبه مجمع فقهي في اندلسيا تتمثل بجمعية نهضة العلماء التي تضم /40/ مليون عضو، ولا يوجد عندنا في سورية للأسف مجمع فقهي ويوجد مجلس إفتاء أعلى معطل منذ /40/ سنة من قبل بعض الأشخاص، وكلما حاولنا أن نبنيه يأتي من يفل جمعه والسبب ليس الدولة بل البعض يريد أن نبقى أفراداً لكي يبقى كل منا زعيماً، بينما المجامع تصهرنا صهراً جميلاً.
الموت الرحيم :
تحدث إبراهيم عن الموت الرحيم مبيناً بأن اعتبار توقف المخ تماماً عن أداء وظائفه، نتيجة تدمير خلاياه كلها، كعلامة لموت الإنسان هو أمر مقبول دينياً لأن توقف المخ عن أداء وظائفه يصاحبه توقف جميع مظاهر الحياة عند الإنسان، أي أن نسمة الحياة (الروح) قد فارقته، واستمرار بعض حركات العضلات أو نبض القلب بعد موت المخ هو أمر متوقف لفترة زمنية محدودة جدا لا تغير شيء من جهة حياة الإنسان، واستمرار نبض القلب أو حركة التنفس بعد موت المخ نتيجة وضع الإنسان على أجهزة طبية هو عملية صناعية لا أثر لها على حياة الإنسان، بل تلقي عبئاً نفسياً ومالياً على أهل المتوفي، وهي عملية شبيهة بالتحنيط التي تحفظ الجثة من التحلل والفساد الذي هو نتيجة طبيعية للموت.
وعن الموت الرحيم بين حسون أنه اتفقت كل المجامع الفقهية على أنه لا يجوز نزع أجهزة طبية عن أي مريض بعد وضعها إلا إذا فارق الحياة كلياً، أما وضع الأجهزة لمريض في حالة موت سريري فهناك رأي يقول بعدم وجوب وضعها، ورأي يجيز وضعها لأن الله قد يعطيه الإحياء فعلى الطبيب أن يبذل جهده على أن يبقي الحياة على هذا الإنسان حتى وإن كان ميتاً طبياً، وأنا اختلف مع بعض العلماء الذين سمعتهم يجيزون رفع الأجهزة لأنني أرى بأنه لا شيء في العلم قطعي الدلالة.
وأكد حسون على أنه لا موت رحيم في الشريعة الإسلامية، فقد رأينا أناساً ماتوا طبياً ثم عاشوا بالقدرة الإلهية.
الإجهاض :
وحول قضية الإجهاض بين إبراهيم أن الهدف من الزواج ليس إنجاب النسل فقط بل السماح بالمعاشرة الجنسية والإنجاب، ما يبرر عدم اعتبار العقم سبباً للطلاق في المسيحية، خلافاً للعجز الجنسي الذي يعتبر سبباً من أسباب الطلاق. والمسيحية تعتبر الإجهاض والإسقاط المتعمد أمر غير مشروع وخطيئة لأنه جريمة يقتل فيها نفس حي، فالجنين مهما كان عمره يعتبر كائناً إنسانياً له حياته وحقوقه وكرامته، وكل المشتركين في عملية الإجهاض يقعون في الخطيئة، ومع تأكيد الكنيسة على ضرورة تنظيم الأسرة لأسباب اقتصادية واجتماعية والإنسانية يبقى الإجهاض وسيلة غير شرعية وأداة غير شرعية لتنظيم الأسرة، فهناك وسائل أخرى تضمن عدم حدوث الحمل يجيزها العلم وتباركها الكنيسة، كما أن الكنيسة لا تسمح أيضاً لفتاة تخطئ أن تلجأ للإجهاض، لأنها لا ترى بأن الخطيئة تعالج بخطيئة أخرى.
وعن أولوية إنقاذ حياة الأم أم الجنين في حال وجود خطر شدد إبراهيم بأن الآراء مختلفة، لكنني أرى بضرورة بذل الطبيب كافة السبل العلمية لإنقاذ حياة الأم دون مع الحرص على عدم تعريض الجنين للأذى وترك الأمر لله.
فيما أوضح حسون بأنه هناك رأيان في الإجهاض قبل /120/ يوماً من الحمل، فالبعض يعتبره حراماً، فيما يجيزه آخرون لأنه لم يتم نفخ الروح فيه ويظل عبارة عن نطفة أو علقة أو مضغة، لكن اتفق الكل على عدم جوازه بعد /120/ يوماً حتى وإن كان الحمل غير شرعي، لأنك تقتل إنسان لم تصنعه، بل صنعه الله، وتعتدي على خلق الله، لك الحق أن تنظم لكن ليس من حقك أن تقتله بعد التكون.
زرع الأعضاء :
وبيَّن إبراهيم موقفه من نقل الأعضاء قائلاً إلى اليوم لم اسمع بجهة كنسية في العالم ترفض زراعة الأعضاء لأنها تعتبر أن إنقاذ حياة إنسان لا يتعارض مع تعاليم الديانة المسيحية فكما سمحت الكنيسة باستعمال الأدوية والعقاقير الطبية تسمح بنقل الأعضاء وزراعتها والتبرع بها بعد الوفاة، وسمحت الكنيسة أيضاً بتشريح جسد الميت لأسباب تعليمية أو قضائية.
لكنه أوضح بأن الكنيسة شجبت بيع الأعضاء أو شرائها، لأنها تعد على عمل الله لأن أعضاء الإنسان ملك لله.
بينما أوضح حسون بأنه لا يجوز هبة عضو لإنسان حي إلا بالنسبة للأعضاء التي تبدل كالدم أو الريق…، لأن الإنسان لا يملك جسده، أما بعد الموت فلو تبرعت بكل جزء من جسدك فبارك الله بك.
ورد حسون على بعض العلماء الذين أجازوا الهبة دون البيع قائلاً : إن أجزت الهبة توجب عليك أن تجيز البيع، لأن الهبة لا تجوز إلا لملكك، والملك يجوز بيعه.
الاستنساخ :
تحدث إبراهيم عن الاستنساخ قائلاً : لا اعتبر الاستنساخ عملاً علمياً له أسسه وقواعده بل أعتبره عمل إنساني يتدخل في الشأن الإلهي وخاصة في مجال الاستنساخ البشري، والكنيسة تشجب الاستنساخ البشري لأنها تعتبره عمل غير أخلاقي وفيه تعارض مع تعاليم الكنيسة بالإنجاب من خلال الزواج، أما استنساخ الحيوانات والنباتات فلا تشجبه الكنيسة إلا في الحالات التي تهدد وجودها. مشيراً إلى وجود أصوات مسيحية وخاصة بين الكنائس الإنجيلية في الغرب، تجيز الاستنساخ.
وعن المحور ذاته قال حسون بأن : الاستنساخ للحيوان جائز لأنه خلق لخدمة الإنسان، أما الاستنساخ البشري فإنه حرام لتدخله في شؤون الخالق وعبث بالإنسان المستنسخ بجعله فأراً للتجارب. وبيَّن حسون بأن عمليات الاستنساخ في تاريخ البشرية كانت بالتحدي الإلهي وإبداعه باستنساخ بشر دون ذكر وأنثى، آدم، ومن ذكر دون أنثى، حواء، ومن أنثى دون ذكر،عيسى.
آراء ووجهات نظر :
بعد الانتهاء من المحاضرة التي دامت ساعة ونصف تقريباً، قام كلا المحاضرين بالاستماع إلى مداخلات الحضور والإجابة على أسئلتهم.
وقال رياض نعسان آغا وزير الثقافة في كلمته بعد نهاية المحاضرة كثيرون هم من يخافون من الإسلام المحب والمتسامح والرحيم القابل للحياة، الذي تقدمه سورية وهو الذي ورثناه جداً عن جد، والعيش المشترك في سورية يزعج الكثيرين، لكننا نعيشه ولا نتعايشه، وهذا ما يزيدنا قوة.
وقامت نقابة الأطباء بتقديم درع تذكاري لكلا المحاضرين في ختام المحاضرة.
وبيَّن الطبيب فهد كعكة رئيس فرع نقابة أطباء الأسنان بحلب بأن المواضيع التي طرحت في المحاضرة هي من اهتمامات المجتمع بكل أطيافه وإيضاح لمواضيع حساسة وسريعة الانتشار، وهنا تكمن أهميتها.
وأعرب المحامي منير خراني عن شكره للمحاضرين للمعلومات القيمة، مؤكداً على ضرورة عقد ندوات كهذه لإعطاء الفرصة لأناس مختلفين فكرياً من إبداء وجهات نظرهم عن مواضيع تهم الكل ومن حق الكل التحدث عنها.
واعتبرت طبيبة الأسنان فيكتوريا كبابة بأن المحاضرين كانا من أصحاب الجرأة والحكمة وقاموا بطرح مواضيع حساسة، قد يخاف البعض الخوض فيها أو حتى التساؤل عنها، وكانت مفيدة جداً برأي كل من قابلتهم.
وأعرب الطبيب رامي سلطان أن المحاضرين برهنا بأن التآخي بين الأديان هو من أسمى الأشياء التي تهم حياة الإنسان المصيرية، والسوري منفتح يقبل الحوار واختلاف وجهات النظر دليل على صحة وسلامة المجتمع وليس عامل ضعف وتفرقة” متمنياً أن “يسلط الضوء من قبل وسائل الإعلام على محاضرات كهذه.
ملاحظات :
طالب حسون كل من يسجل أو ينقل المحاضرة أن يكون دقيقاً تجنباً للمشاكل التي أدت إلى استلامي رسائل استذكار وتهديد وفتاوى إهدار دم نتيجة نقل كلامي بشكل خاطئ من قبل أحد الصحفيين أثناء استقبالي وفداً أمريكيا هذا الأسبوع، شجب حسون استعمال الوسائل المتطورة من فضائيات وانترنت ” كأسلحة ندمر بها بعضنا البعض فوصلنا إلى استباحة وجهنا أمام الناس “، داعياً إلى عدم معاداة أو تصنيف أي إنسان من خلال فكره “.
بيَّن حسون رفضه ” نشر الفضائح على الإنترنت بتشهير أسماء الأشخاص ” قائلاً : لقد شهدنا حالات قتل بسبب أخبار نشرت على الإنترنت، وأجاز شرعاً ” تسليط الأضواء على الجرائم وكشفها وتنبيه المجتمع لكن دون ذكر أسماء “.
كشف حسون بأنه ” نتيجة الإجهاض في بعض البلدان كفرنسا وتونس بدأ المجتمع يشيخ، ويتم إغلاق شعبتان ابتدائيتان في كل صباح في تونس، فيما نحتاج في كل صباح إلى /36/ شعبة ابتدائية في سورية، ما يسبب تفشي الفقر وغياب العلم، مشيراً إلى أن إكثار النسل يحتاج إلى مجتمع منظم يتساعد أبناءه لتوفير متطلبات الحياة لأبنائه “.
وأبدى حسون تعجبه ” من قيام الدنيا وقعودها عند العبث بزاوية من لوحة لمايكل أنجلو أو تفجير تمثال بوذا في أفغانستان، واعتباره اعتداءاً على الفكر الإنساني، وعدم اعتبار الاستنساخ اعتداء على الخلق الإنساني “.
اعتبر حسون بأن ” الدين والعلم لا يصطدمان، بل كلاهما يصطدمان مع الجهل “.
حذر حسون من زواج الأقارب قائلاً ” إياكم وزواج الأقارب، هذه الظاهرة المتفشية في منطقة الجزيرة والقرى التي تؤدي إلى نتائج سيئة “.
لم تجدي تأكيدات مدير الحوار على أن يكون الحوار عبارة عن أسئلة واضحة وقصيرة، فقام البعض بمداخلات حاولوا من خلالها شكر القائمين على إنجاز المحاضرة والمحاضرين، ما أجبر الحضور مقاطعة أحدهم بالتصفيق، وصيحة أحدهم قائلاً ” لم نأتي لسماع رسائل شكر وإنجازات، بل نود طرح أسئلة والاستماع إلى أجوبة من أصحاب العلم “.