مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم يصرح لـ ADO-WORLD البقية الباقية من مسيحيي الشرق إلى أين ؟ وما هو مصيرهم ومستقبلهم ؟

كلف قداسة سيدنا البطريرك المعظم مار أغناطيوس زكا الأول عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى، نيافة المطران مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم متروبوليت حلب، أن يمثله في سينودس الأساقفة الكاثوليك في روما بين 10 ـ 24/ 11/ 2010، وخلاله أجرى الصحافي جورج شاشان مراسل موقع ADO-WORLD التابع للمنظمة الآثورية الديمقراطية )مطكسا) هذه المقابلة.

        نظراً لأهمية ما صرح به نيافته، لا سيما في سياق تداعيات الوضع الراهن، ننشر الآن مقتطفات من هذه المقابلة، مذكرين أعزاءنا القراء أن هذه المقابلة الصحافية، تمت قبل مجزرة كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد، والهجمات والتفجيرات الأخيرة، التي استهدفت منازل مسيحيين في أحياء عدة في كل من: بغداد، والموصل / العراق.

ADO-WORLD : سيدنا لماذا ينعقد السينودس الآن وتحت عنوان : الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط، شركة وشهادة ؟

 مار غريغوريوس : المميز في هذا السينودس وجود حوالي 200 شخصية دينية بين بطريرك وكاردينال وأسقف ومطران وعلماني كاثوليكي، ووجود ممثلِين عن الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، والكنيسة الأرثوذكسية، وكنيسة المشرق القديمة، والكنيسة الأنكليكانية، والكنيسة اللوثرية، ومجلس الكنائس العالمي، بالإضافة إلى مُمثلَين عن المسلمين واليهود.

        أما لماذا المؤتمر اليوم ؟ أنه لواضح جداً، بأننا نمر في أكثر من أزمة في الشرق الأوسط، ووضعُنا حرج جداً، وأنا أتكلم كمسيحي أولاً، لأن هذه الكتلة البشرية المسيحية، التي تنتمي إلى ثقافات متنوعة، وتقاليد ولغات متعددة، تمر في أزمة حقيقية، تتعلق بالدرجة الأولى بوجودنا، وهذا يعني أن نكون أو لا نكون، أن نبقى أو لا نبقى، أن نعمل أو لا نعمل، هذا المصير إلى أين ؟ إلى أين نحن ذاهبون ؟ وثانياً : بقدر العطاء الذي يجب أن يُبذل في مجتمعاتنا.

        عندما ينظر أحدنا إلى الخريطة في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إيران وتركيا، يرى أن الأخبار الواردة من بلدان كثيرة هي مرعبة جداً. أعطي مثلاً، منذ حوالي الشهرين، عثرت على مخطوطٍ باللغة السريانية، يُشير إلى أنه في سنة 1821، كان عندنا في ـ تركيا اليوم ـ 600 قرية سريانية، في نفس المساحة الجغرافية اليوم عندنا أقل من 10 قرى !!

        إذن هذا السينودس هو جرس إنذار لظاهرة هجرة المسيحيين الشرقيين، ولتفريغ المنطقة منهم. هل هو تفريغ حقيقي، ومخطط له ؟ ومن يقف وراءه ؟ وهل هناك من يريد أن يُنهي الوجود المسيحي، ويُلغي كل الخلفيات التاريخية والثقافية واللغوية والإثنية ؟ أو هذا مجرد إحساس، وتخمين ؟

        نحن هنا اليوم نتكلم عن المصير، عن وجودنا، عن حضورنا، عن شهادتنا في مجتمعاتنا، عن علاقتنا مع المسلمين، وعن تأثير الحروب التي حدثت وتحدث في المنطقة، عن المستقبل الغامض الذي ينتظرنا. كيف سنستمر ونحافظ على وجودنا في هذه المجتمعات التي عشنا فيها نحن المسيحيين حوالي 2000 سنة ؟

        إذن، النقطة الأساس في هذا اللقاء الفريد من نوعه، وفي الفاتيكان عاصمة الكثلكة في العالم بالذات، هو بحسب اعتقادي : الحضور المسيحي إلى أين في الشرق الأوسط ؟

ADO-WORLD : لكن سيدنا، ما ذكرته من حروب، وأوضاع شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في إيران وتركيا ولبنان، ليس بالأمر الجديد، الإبادة في تركيا في مطلع القرن العشرين، الثورة الإسلامية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي في إيران، الحرب الأهلية في لبنان، هذه ليست وليدة اليوم، فلماذا الآن بالتحديد ينعقد هذا السينودس ؟

مار غريغوريوس : هذا السؤال مهم جداً، الذي دعا إلى المؤتمر بحسب معلوماتي الخاصة هو سيادة المطران لويس ساكو رئيس أساقفة الكلدان في كركوك / العراق، وذلك خلال لقاء جمع بين غبطة البطريرك الكاردينال عمانوئيل دلّي وأساقفته الكرام، وقداسة البابا بندكتوس السادس عشر في روما.

        الآن يوجد خوف حقيقي على الحضور المسيحي في العراق، ونشعر بأن العراق هو على شفير الهاوية، يعني انه يمر في أزمة حقيقة تهدد الحضور والوجود المسيحي في العراق، حسب الإحصاءات الموجودة في كنائسنا اليوم في العراق، كان هناك بين الـ 700 و 800 ألف مسيحي من كل الطوائف، إضافة للأرمن الأرثوذكس والكاثوليك، قبل الأزمات المذكورة، والتغيرات السياسية والأمنية، ولكن اليوم لا يوجد أكثر من 350 ألف مسيحي. فهذا العدد تناقص إلى أكثر من النصف. هذا جرس كبير يقرع، هل يسمع العالم ؟ إذن هذا هو الوقت المناسب لعقد هذا السينودس، جئنا حتى نركز على الحضور المسيحي، من خلال وقف نزيف الهجرة، إذا تمكنت الكنائس من ذلك.

ADO-WORLD : هل هذا يعني أن النزيف الجاري حالياً في العراق هو خطر على كل مسيحيي الشرق ؟

مار غريغوريوس : طبعاً، لأن هذه الكتلة البشرية مرتبطة ببعضها، مثلاً، إيران بعد النظام الجديد خسرت بين 200 ـ 300 ألف مسيحي، تصور فقط، أن المدارس الأرمنية التي كانت موجودة بالعشرات في إيران، اليوم معظمها أغلقت لعدم وجود طلبة. هكذا الحال بالنسبة للأردن وفلسطين، والأراضي المقدسة. في مدينة القدس عدد المسيحيين فيها أقل من قليل، إذاً ماذا بقي اليوم عندنا في القدس ؟ لبنان من بعد أحداث سنة 1975 ترك عددٌ كبيرٌ من المسيحيين هذا البلد الحضاري. ومصر كل الأخبار اليوم فيها تتحدث عن قلاقل مفتعلة تجرى هنا وهناك، وعن هجرة حوالي 2 مليون مصري قبطي أرثوذكسي وكاثوليكي وإنجيلي. هذه كتلة بشرية هائلة تتحرك.

        في سورية توجد هجرة أيضاً، مثلاً في مدينة حلب، أكثر من نصف مسيحيي حلب هم في الخارج، بين فنزويلا، وأميركا، وكندا، وهكذا الحال بالنسبة للأرمن اليوم، حوالي نصف الأرمن منذ الخمسينيات من القرن الماضي تركوا حلب.

        إذاً نحن أمام خطر حقيقي لهذا التناقص الكبير لعدد المسيحيين، والسؤال هو، البقية الباقية من المسيحيين في هذا الشرق إلى أين ؟ ما هو مصيرهم ؟ ما هو مستقبلهم ؟ 

ADO-WORLD : ممكن تحدثنا عن مساهمتكم في أعمال هذا السينودس ؟

مار غريغوريوس : طبعاً، كانت هناك قضايا كاثوليكية بحتة، لا أستطيع التدخل فيها مثل : الشهادة والشركة داخل الكنيسة الكاثوليكية، ولاية البطاركة، أوضاع الكاثوليك في الخليج، معيشة الكهنة، الكهنة المتزوجون، بالإضافة إلى الإدارة المالية، والتنشئة، وتعليم الكنيسة الاجتماعي وغيرها.

        أنا تطرقت إلى ثلاث نقاط مهمة في مداخلتي التي قدّمتها باسم كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية، وقد كلفني قداسة سيدنا البطريرك مار أغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي الطوبى أن أمثله، وهي : الهجرة، والخلافات اللاهوتية والعقائدية بيننا وبين الكاثوليك، والحوار المسيحي ـ الإسلامي.

        بالنسبة للهجرة، سميتها : الآفة الفتّاكة في المنطقة، ما هي الدوافع الأساسية         وراءها ؟ هل هي الحروب والنزاعات والصراعات فقط ؟ أم العامل الاقتصادي ؟ أم الأمن ؟ أو ماذا ؟ أتصور يوجد عامل آخر وهو عامل نفسي، أي الخوف من المستقبل.

        يعني الإنسان بطبعه يخاف دائماً، خاصة إذا فكّر بالمذابح التي جرت في المنطقة هذا الذي نحن نسميه بلغتنا السريانية بالـ : سيفو Saifo، منها : ما وقع في عام 1915 في تركيا، وفي سمّيل في عام 1933 في العراق، والحرب الأهلية في لبنان، والحرب الإيرانية ـ العراقية، وحرب الخليج، واحتلال العراق، كل هذه الأحداث الخطيرة أثرت وتؤثر سلبياً، على شعبنا في كل المنطقة.

        علينا أن نعرف ماذا يريد منّا شريكنا المسلم في الوطن ؟ وما هو دوره الحقيقي في حماية الأقليات، انطلاقاً من الشعار الذي نردده : الدين لله والوطن للجميع ؟

        إنني أطالب بعقد مؤتمر خاص للبحث في موضوع هجرة مسيحيي الشرق الأوسط، ودعوة المختصين الذين لديهم اهتمامات بالحضور المسيحي وشهادته، وعندهم إحصاءات عن الهجرة، يجب تحضير الأرقام الحقيقية، وليس التقديرات والأرقام الخيالية، لأن هذا يؤثر سلباً علينا، يجب بحث أمر وجودنا، وتنمية حضورنا المسيحي، ودعم دورنا. الكنائس كلها وبشكل مباشر وغير مباشر لديها مشاريع، وتؤسس مدارس ومستشفيات ومنشآت متنوعة، ومشاريع أخرى تكلف ملايين الدولارات، هذه المشاريع تقول للآخر : يا أخي نحن باقون في أرضنا، وأرض أجدادنا، باقون ولن نذهب إلى أي مكان آخر !!

        طبعاً النقطة الثانية التي تهمني كثيراً كمطران ومسيحي، ونعاني كثيراً منها، هي : الخلافات اللاهوتية والعقائدية بيننا وبين الكاثوليك، وبين بقية الطوائف. هذه الخلافات أثّرت على حضورنا. وأدت إلى الانقسامات الكنسية، بكل تأكيد لم تكن لصالحنا كمسيحيين.

        هناك من يعتقد اليوم بأن الله يعاقبنا بسبب خلافاتنا مع بعضنا بعضاً، وانقسامنا إلى كنائس. لو تمكّنا من إيجاد حلول للمشاكل اللاهوتية والعقائدية في الماضي، لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن !! الواحد منّا كفّر الآخر، ولصق به الهرطقة. اكتشفنا في النهاية أن كلنا لنا إيمان واحد بالمسيح يسوع المخلص، ولدينا أسرار وتقاليد وعادات، إذن أين الخلاف ؟

        ثم لماذا لا نوحّد عيد الفصح، عيد القيامة، إن العيد هو علامة من علامات وحدتنا بين بعضنا وأمام الآخرين، يجب أن نفتش عن الرموز والمناسبات التي تعزز وحدتنا. وبعد ذلك لدينا شهداء للكنيسة المقدسة على مر الدهور، نحن نقول بأننا أبناء الشهداء، لهذا طالبت بأن يكون هناك عيد للشهداء المسيحيين

        أما النقطة الثالثة، وهو موضوع حساس ومهم كثيراً أيضاً، وله علاقة بـ الحوار المسيحي ـ الإسلامي. نحن كسريان مثلاً لم تكن لدينا مشكلة مع المسلمين منذ مجيء الإسلام في القرن السابع للميلاد، لا بل العكس هو الصحيح، لأننا منذ بداية عهد الخلافة الإسلامية، كنا قد أعلنّا أن الإسلام جاء رحمة لنا، لأننا كنا نعيش تحت ظلم بيزنطي في الماضي، فاعتبرنا أن مجيء الإسلام هو نوع من الرحمة للسريان، حتى نتخلص من الظلم والاستبداد والاضطهاد، ولهذا لم نعتبر الإسلام غزواً بل فتحاً. لكن في الآونة الأخيرة تغيرت الأمور بشكل مأساوي مفاجئ، حيث وقعت حروب وصراعات، وأصبح القتل على الهُوِّية، كما يحصل الآن في العراق، وكما حدث في لبنان في فترة من الفترات.

        الحوار المسيحي ـ الإسلامي جيد ومهم، لكن هناك ما هو أهم من ذلك، وهو معرفة أسباب الجهل، الجهل المتنامي في المنطقة، الجهل الذي يسيطر على خطاب بعض رجال الدين الإسلامي، مثلاً : عندما يقف إمام على المنبر في الجامع، ويقول عن المسيحيين الشرقيين أنهم أتباع الصليبيين، أو أنهم الكفّار، أو أنهم أتباع الغرب. هل نحن الذين تقاسمنا مر الحياة وحلوها مع المسلمين عبر التاريخ، منذ الفتح العربي حتى اليوم، هم المقصود بهم ؟ نحن لم نكن أتباعاً للغرب، ولم نشارك في الحروب الصليبية، لا بل الصليبيون ضربونا قبل أن يضربوا المسلمين.

        إذاً يجب أن نقتلع جذور الجهل من الخطاب الديني، وأنا أشدد دائماً على أن الخطاب الديني الإيجابي له تأثير كبير جداً في تنمية العلاقات وتمتينها ما بين المسلمين والمسيحيين، والخطاب الديني السلبي له تأثير سلبي على علاقاتنا مع بعضنا بعضاً.

        بالنسبة للحوار المسيحي ـ الإسلامي علينا أن نفكّر دائماً معاً، من أجل إيجاد بنية سليمة للعلاقات بين المسيحيين والمسلمين، ويجب أن نفكّر أيضاً كيف نخلق فكراً تنويرياً مؤمناً بحق المواطنة بكل أبعادها.

        أتمنى على بعض رجال الدين الإسلامي من كل البلدان العربية والإسلامية أن يدرسوا في جامعات الغرب، حالهم حال رجال الدين المسيحي من الشرق، وأن يتعلموا اللغات، ويروا كيف أن العالم الغربي ليس كله يحقد على العالم الشرقي، وليس كله يفكر بالإساءة للمسلمين، إذا كانت هنالك بعض الحالات الفردية، فهذه ليست ضمن العموميات. بشكل عام المسيحيون في الغرب هم مسيحيون مسالمون، وبينهم عدد كبير يساندون قضايانا مثل قضية فلسطين، بينما المسلمون في بعض المناطق في الشرق، هم عنيفون، كما حصل ويحصل في العراق اليوم !

        بكل تأكيد في سورية الأمر يختلف تماماً، فهنا على أرض سورية، لا أرضى أن يقول أي مسيحي أنه مضطهَد أو معتدى عليه، أو أنا أعيش في بلد لا عدالة ولا مساواة فيه. أنا أشعر أن المسيحي يعمل بكل طاقاته حتى يكون مواطناً صالحاً، وفي المواطنة لا يوجد مسيحي أو مسلم، لأنه كلنا تحت سقف واحد اسمه الوطن.

 ADO-WORLD : لكن سيدنا ماذا عن التيار الإسلامي المتطرف والمتصاعد في المنطقة، والذي لا يفرق بين مسيحيي الشرق والغرب، ولا يعترف مثلاً أن السريان دعموا الفتح الإسلامي، وبأن السريان ليسوا أتباعاً للغرب ؟

مار غريغوريوس : التيار الأصولي مرعب في كل المنطقة، وهو خطر على المسلمين أيضاً، كما هو خطر علينا نحن المسيحيين، هذه هي هُوِّيتنا الموحّدة، أننا نعيش معاً تحت سقف الوطن الواحد. لو كانت الأصولية تعني العودة إلى القرآن الكريم والتمسك بما فيه من تعاليم، فليس هناك مشكلة، لكن أن تتحول الأصولية إلى تطرف، والتطرف إلى عنف، فهذا معناه الدخول في دوامة جديدة، وزمن صعب جداً، لأنه سيكون هناك ذبح على الهُوِّية.

        ما حصل في العراق كان أصولية تحولت إلى تطرف، والتطرف تحول إلى عنف، ثم إلى قتل وذبح. نحن ننتمي في جذورنا إلى هذه الأرض، المسلمون والعرب يعرفون بأننا كنا كمسيحيين هنا قبل الإسلام، نحن استقبلنا المسلمين، هذا تاريخ ناصع حقيقي لا يُنكره أحد، ولا يمكن تغييره، التيار الأصولي المتطرف الموجود حالياً، والذي لا نعرف من أين نبع، يريد تغيير هذا التاريخ.

        ثم نحن كمسيحيين دافعنا عن البلد وكرامته، نحن عشنا في خندق واحد مع المسلم دفاعاً عن استقلال وحرية هذه البلاد، الآن كل هذه الأمور ينساها الإنسان لوجود فكرة أصولية، والانتقال إلى التطرف والعنف؟

        ثم هل هذه مكافأة للمسيحي الذي خدم المنطقة منذ أيام الخلافة الراشدية، ومروراً بالأمويين والعباسيين، وانتهاءً بالعثمانيين وعهد الاستقلال. لقد ساهمنا في بناء الحضارة مساهمة فعّالة، وكنا لبنة مهمة في صرح تعددية الثقافة، حتى الثقافة الإسلامية لنا فيها دور مميز مشهود له من الجميع ! من ينكر دورنا في نقل العلوم والآداب من اليونانية عبر السريانية إلى العربية ؟ اليوم يأتي أناس جهلة لكي يُقيِّموا وجودي في المنطقة ؟

أنا لا أرضى أن يسمى كل المسلمين أصوليين.

ADO-WORLD : برأيكم سيدنا ما هي الخطوات الواجب اتخاذها لإيقاف نزيف الهجرة من العراق، وتسهيل عودة المهجرين، ليس فقط الذين هاجروا من العراق، بل من مناطق أخرى من الشرق الأوسط ؟

مار غريغوريوس : بالنسبة للعراق الوضع مختلف عن سورية ولبنان وتركيا، العراق الآن هو كمختبر، العراق أصبح مقسّم، العراق خارطته أصبحت واضحة، حيث هناك إقليم كردستان، وطرف شيعي، وطرف سني، لكن المفروض أن نعرف أين هو موقع المسيحيين ؟ في السابق عندما كان العراق موحّداً، كان المسيحيون في كل مكان، في بغداد، في البصرة، في العمارة، في الموصل، وفي كل الشمال، لكن عندما يكون العراق مقسماً عرقياً، وإثنياً، ودينياً، ومذهبياً، فالمفروض أن نعرف أين سيكون المسيحي أيضاً ؟ لماذا لا تكون لدينا حقوق كالآخرين ؟ لماذا لا تكون لدينا جامعات أو مدارس أو منشآت تربوية، واجتماعية، ورياضية، وفكرية ؟؟

        أتصور أن هذا الطرح منطقي، لكن يجب أن نسأل أيضاً، العراق إلى أين ؟ في الوقت الحاضر المسيحية في العراق تمر بأقسى ظروفها التاريخية، منذ ألفي سنة لم يحدث في العراق ما يحدث الآن، يعني انتشار القتل والذبح والترهيب، هناك من يريد فعلاً تهجير المسيحيين وإنكار هُوِّيتهم الوطنية. المسيحيون في العراق لا يُنكرون هُوِّيتهم الوطنية، كنا دائماً وسنبقى نفتخر بالهُوِّية الوطنية.

ADO-WORLD : سيدنا لماذا لا يوجد موقف محدد وحاسم لطلب تحقيق دولي حول استهداف شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في العراق ؟

مار غريغوريوس : أكيد السبب واضح جداً، إنه ضعف في القيادات المدنية المسيحية، لو كانت لدينا قيادة قوية، لكنا طالبنا بالتحقيق الدولي فوراً، لماذا الانتظار ؟ أنا أقصد قيادة مدنية إلى جانب قيادة كنسية.

        توجد في العراق أحزاب تمثل القوى الشعبية كلها بكل تسمياتها : كلدان، سريان، آشوريون. من المفروض أن تطالب هذه القوى الشعبية بالتحقيق الدولي وذلك بدعم من القيادات الكنسية. إن التحقيق ضروري جداً، لمعرفة سبب هذه الاعتداءات التي تطال شعبنا، ما معنى أن يستلم المسيحي رسائل من تحت الباب يكتب فيها أصحابها : غادر أو تقتل !! ما هو السبب ؟ الله أعلم. هل السبب، لأن أسمي جورج، أو حنا، أو عبدالمسيح، أي أننا أصبحنا في خانة غير المرغوب فيهم، هذا أمر غريب جداً، لأن هناك فعلاً من يريد طردي من بيتي ومن بلدي، هناك من يريد أن يقتلعني من جذوري، وبأي حق ؟

        الناس لا تشعر بوجود قيادات مدنية أو كنسية، لديها القدرة على الحماية والدفاع عن بقائنا ووجودنا، نريد من يضمن حمايتنا، من المفروض أن يكون للقيادة، صوت عالٍ يرتفع بالدفاع عن الحضور المسيحي، حتى تكون هذه البقية الباقية من المسيحيين في هذا الشرق الحبيب بحماية الله، وحماية الناس الجيدين الموجودين في كل بلد.

ADO-WORLD : يتساءل شعبنا وصحافته لماذا كنائسنا في الشرق الأوسط، والتي نعتبرها كنائس قومية لم تجتمع مع بعضها حتى الآن لمناقشة أوضاعها، وانتظرت هذا السينودس في الفاتيكان ؟ هل من المعقول أن الطريق بين بطريرك السريان الأرثوذكس، وبطريرك السريان الكاثوليك، وبطريرك الكلدان، أو بطريرك كنيسة المشرق، أبعد وأطول من الطريق إلى روما ؟ 

مار غريغوريوس : هذا التباعد، ليس تباعد وليد الساعة أو اليوم، إنه تباعد عمره قرون، وللتحضير للقاء نحتاج لأسلوب وقيادة، لنكون صريحين ليس بإمكان كل بطريرك أن يجمع كل البطاركة، ما أقصده إذا أردنا عمل شيء محلي مثل جمع كل رؤساء الكنائس ذات التقليد السرياني، الذين هم : السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، السريان الموارنة، والكلدان والآشوريون، إذا أردنا أن نجمع هؤلاء القادة الروحيين تحت سقف واحد، لمناقشة موضوع ما، هؤلاء لا يجتمعون بهذه الطريقة، لا يوجد شيء يجمعهم في الوقت الحاضر، لأن الكنيسة قسّمت الشعب إلى تسميات كنسية، يعني أنا اليوم سرياني أرثوذكسي، أي سرياني تابع للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والثاني كلداني لأنه تابع للكنيسة الكلدانية، فلم يبقَ شيء قومي أو اثني، نحن جميعاً أصبحنا كنسيين، وأصبحنا أتباع كنائسنا، إما أن تتوحد هذه الكنائس وتزول الفروقات الموجودة بيننا…أو يكون شي ما يتعلق بالقومية أو بالإثنية.

ADO-WORLD : مؤسسات مدنية، مثلما تفضلتم، أو أحزاب سياسية ؟

مار غريغوريوس : ممكن، إذا لم يكن هنالك حزب سياسي مرخص ومعترف به أصولاً، توجد مؤسسات علمانية تمثل كل الطوائف أو الكنائس، وتعمل شيئاً ما. لأننا ككنائس مسيحية انقسمنا على ذاتنا منذ قرون، ولا يمكن أن نقوم إلا بأعمال كنسية، نحن نتكلم مثلاً بالأمور الروحانية، ولكن لا يمكن التكلم في هيكليات إدارية، لا يمكن أن أطلب بدمج الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والمارونية في مدينة حلب في كنيسة واحدة، وأن يكون فيها مطران واحد، هذا لا يجوز.

        ولكن من الممكن أن تكون عندنا مؤسسة علمانية تضم كلاً من : السريان الأرثوذكس، والسريان الكاثوليك، والسريان الموارنة، وتعمل لصالح هذا الشعب، الذي هو شعب واحد في النهاية، هذا ممكن، لكن من سيعمل هذا، هذه أيضاً مشكلة لأن قياداتنا المدنية ضعيفة جداً.

        لدينا بعض التيارات الفكرية، التي أصبحت لديها نزعة سياسية، ولكن هذه التيارات الفكرية لم تأخذ دورها المطلوب حتى اليوم، يعني لم تستطع أي نزعة سياسية أو تيار سياسي اليوم، أن تقنع الطوائف كلها وتمثلها. نشهد في الآونة الأخيرة حركة ونهضة وعلاقات، وهناك أشخاص يتكلمون باسمنا، ويقولون كل شي، ولكن حتى الآن لا يوجد شيء عام وشامل. مثلاً الآن يوجد اتحاد سرياني، رابطة سريانية، المنظمة الآثورية الديمقراطية، ولكن هؤلاء جميعاً ينقصهم شخص واحد ملهم كي يجمعهم ويقول لهم : تعالوا ! لن نتخلى عن تسمياتنا، لكن لنشتغل مع بعضنا.

        ما يحدث اليوم في العراق هو أن كل الأحزاب تتناحر على الساحة السياسية، وفشل مطلب الحكم الذاتي في سهل نينوى كان وراءه أبناء الطوائف السريانية والكلدانية والآشورية، وأكون صريحاً أكثر فأقول قيادات كنسية، لا الأكراد ولا الشيعة ولا السنة هؤلاء لم يقفوا ضدنا، بل نحن كنا ضد بعضنا. لكن إذا حدث توافق بين هذه الأحزاب السياسية والقيادات الكنسية، والشعب، على أرض الواقع، يمكن أن يحدث شيء ما، لم يحدث في كل تاريخنا !!

 ADO-WORLD : كلمة أخيرة سيدنا ؟

مار غريغوريوس : أنا أتمنى من كل واحد أن لا يحمّل الكنيسة ما هو فوق طاقتها، يعني له الحق أن يحاسبني في كل ما يتعلق بالروحانيات والليتورجيات والطقسيات وتاريخ الكنيسة وتقاليدها وغيرها، ولكن لا أستطيع اليوم أن أفرض نفسي على قضايا أخرى علمانية أو مدنية موجودة على أرض الواقع. مثلاً نحن هنا نتكلم عن الهجرة، وعن المسكونيات، وعن العلاقات مع المسلمين، ولكن من وجهة نظر دينية، أنا لست بقائد مدني للشعب، أنا جزء من قيادة كنسية لها صلاحياتها وحدودها، أتمنى أن تكون لدينا قيادات فعلية لهذا الشعب، وعلى هذه القيادات الفعلية أن تأخذ المبادرة حتى تقود الشعب إلى حيث يجب أن يذهب، أنا اليوم لا أستطيع أن أعيش في أوروبا وأتكلم بصوت عالٍ ضد شخص ما في الشرق، لا أستطيع ذلك ! لكن هذا الآخر الذي يعتبر نفسه يمثل الشعب مدنياً، يجب أن يكون عنده الاستعداد أن يقول كل ما يريد وبكل حرية دون أن يؤثر سلبياً على الحضور المسيحي في الشرق.

        وأتمنى على هكذا تيار أن يكون لديه وعي كامل حتى يخدم شعبنا، لأننا أصبحنا بحاجة إلى صوت يخدم هذا الشعب، في بعض الأحيان نشعر أن صوتنا ضعيف ككنيسة، فالقيادات الكنسية لا تستطيع أن تطالب مثلاً بأن يكون هناك تحقيق لما جرى ويجري على أرض العراق، وهذا ليس من اختصاصها.

        أتمنى أن تأخذ القيادات المدنية دورها الفعلي، وتبتعد عما يُقسّم هذا الشعب، في بعض الأحيان هذه القيادات أخطأت لأنها وضعت رأسها برأس الكنيسة وقياداتها، وتعاملت مع الكنيسة كأنها الخصم، وهذه مشكلة بحد ذاتها، لأن الكنيسة هي مظلة للجميع، تضم الجميع، وتتكلم باسم الجميع.

        باسم موقع ADO-WORLD سيدنا، شكراً جزيلاً.