وعظة عيد القيامة 2011

المسيح قام … حقاً قام

بشم آبا وبرا وروحا حيا قديشا حد ءلؤا شريرا. آمين

أيها الأحبة… أيها السامعون الكرام…

       وَأَمَّا أَنَّ الْمَوْتَى يَقُومُونَ فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مُوسَى أَيْضاً فِي أَمْرِ الْعُلَّيْقَةِ كَمَا يَقُولُ : اَلرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ. وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ (لوقا 20 : 37 ـ 38).

       هذه العبارة التي وردت على لسان السيد المسيح، وجاءت كنتيجة لإعلان عقيدة القيامة التي أفصح عنها رب المجد في حياته العملية. وقوله على أن الرب إله ابراهيم، وإله اسحق، وإله يعقوب، هو ليس إله أموات بل إله أحياء، جاء كرد قوي على الصدّوقيين الذين كانوا يقاومون أمر القيامة، أي لا يؤمنون أن بعد الموت توجد حياة، وكأنهم يرددون مع اشعيا النبي : هُوَذَا بَهْجَةٌ وَفَرَحٌ، ذَبْحُ بَقَرٍ، وَنَحْرُ غَنَمٍ، أَكْلُ لَحْمٍ وَشُرْبُ خَمْرٍ، لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَداً نَمُوتُ (اشعيا 22 : 13). وربما كان الكثيرون من اليهود يمشون في ركاب الصدّوقيين، يقولون بالقيامة، ولكنهم لا يؤمنون بها، لأن أعمالهم كانت تدل على عدم قناعتهم بقيامة الأجساد. وفي ثنايا العهد الجديد، نقرأ ما يؤكد هذا الكلام، فهذا الناموسي مثلاً عندما جاء إلى يسوع ليجربه، وسأله يَا مُعَلِّمُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ، كان يعلم حقيقة أمر القيامة، ولكنه يتجاهل الدرب المؤدي إلى الفوز بالقيامة، وجواب السيد المسيح لسؤال الناموسي المجرّب، كان واضحاً جداً، أنت تريد أن ترث الحياة الأبدية، إذاً أعمل بما تأمر به الوصايا، وخاصة أن تُحِبَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ (لوقا 10 : 25 ـ 37). لكن الناموسي جاء ليجرِّب ولا ليتعلّم، فدفع السؤال بالسؤال، وهو يريد أن يبرر نفسه، فقال : لكن من هو قريبي ؟ فضرب له السيد المسيح مثل السامري الصالح، ثم سأله، فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريباً للذي وقع بين اللصوص ؟

       فقال الناموسي المجرّب : الذي صنع معه الرحمة !

       وهذا مثل من الأمثال الكثيرة التي شدد فيها يسوع المسيح بأن القيامة حقيقة وواقع، ولا تحتاج إلى برهان.

       ونذكِّر بالمناسبة زيارته المفاجئة لبيت عنيا قبل آلامه، حيث أن لعازر شقيق مريم ومرتا كان مريضاً، وهَذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللَّهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللَّهِ بِهِ  (يوحنا 11 : 4). حتى ذلك اليوم لم يميز التلاميذ، وهم يسمعون يسوع، بين رقاد النوم والموت، فعندما قال لتلاميذه : لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لَكِنِّي أَذْهَبُ لأوقِظَهُ. فَقَالَ تلاَمِيذُهُ : يَا سَيِّدُ إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يَشْفَى ! وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ النَّوْمِ (يوحنا 11 : 11 ـ 13). ثم استخدم يسوع عبارة أخرى أيضاً لم يفهمها التلاميذ إذ قال : وَأَنَا أَفْرَحُ لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ لِتُؤْمِنُوا (يوحنا 11 : 15).

       وعندما جاءت مريم إلى يسوع وهي تبكي وخرّت عند رجليه قائلة : يَا سَيِّدُ لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي (يوحنا 11 : 21). قال لها يسوع : سَيَقُومُ أَخُوكِ (يوحنا 11 : 23)، فقالت له مريم : ولأنها لم تكن من جماعة الصدّوقيين الذين ينكرون أمر القيامة، أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ (يوحنا 11 : 24).   

       إلى هنا نرى أن اليهود انقسموا إلى قسمين قسم آمن بالقيامة في اليوم الأخير، وقسم أنكر القيامة، وعندما كان يسوع المسيح في بيت عنيا كان قريباً من يوم آلامه وصلبه وقيامته، ولكن أطلق العبارة الشهيرة في ذلك اليوم عن حدث القيامة، وقال لمرتا : أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا. وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا ؟ قَالَتْ لَهُ : نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ (يوحنا 11 : 25 ـ 27).          

       وقيامة لعازر كما قيامة الآخرين الذين جاء ذكرهم في الإنجيل المقدس بحسب متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، كان مؤشراً على القيامة العامة، التي أصبحت الأس لعقيدة الكنيسة التي افتداها يسوع بدمه على خشبة العار، لهذا نرى أن كلمات يسوع المسيح بعد أن أفحم الصدّوقيين الذين جاءوا إليه ساخرين، وأطلقوا ذلك السؤال السخيف، عن امرأة تزوجها سبعة أخوة، ففي القيامة لمن منهم تكون زوجة ؟ قائلاً : الَّذِينَ حُسِبُوا أَهْلاً لِلْحُصُولِ عَلَى ذَلِكَ الدَّهْرِ، وَالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يُزَوَّجُونَ. إِذْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَمُوتُوا أَيْضاً لأَنَّهُمْ مِثْلُ الْمَلاَئِكَةِ ؟ وَهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ، إِذْ هُمْ أَبْنَاءُ الْقِيَامَةِ (لوقا 20 : 36). ولماذا ختم هذا المشهد الإنجيلي بذكرى ابراهيم واسحق ويعقوب مثل غيرهم من المختارين في العهد القديم، كان السبب ليصل إلى قرار مفاده، أن أمثال ابراهيم واسحق ويعقوب وغيرهم هم عنده أحياء، ولا يمكن لإلهم أن يكون إله أموات بل إله أحياء.

       نحن اليوم نجد أنفسنا بحاجة ماسة في أن نُذكِّر بعضنا بعضاً بحدث القيامة. فالإنجيليون الأربعة بدون استثناء يعطون تفاصيل لهذا الحدث الهام، وكل منهم يؤكد بأن يسوع لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ (غلاطية 4 : 4 ـ 5). وعاش الإله المتجسد يسوع المسيح مع الناس، وسمعهم، وعالج مشاكلهم، وشفى مرضاهم، ونفخ فيهم نسمة الأمل والرجاء، وهيأهم  لا للمجد الزائل، بل للمجد الباقي، فمتّى الرسول بعد حدث القيامة يتحدث عن السلطان الذي أعطاه لتلاميذه : أن يذْهَبُوا وَيتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَيعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَيعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَاهمْ بِهِ. ثم يسلط الضوء على أن يسوع الناهض من بين الأموات، سيبقى معهم كُلَّ الأَيَّامِ، إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ (متى 28 : 16 ـ 20).

       ويكتب مرقس البشير لنا عن حيرة مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب، وسالومى اللتين اشترتا حنوطاً ليأتين ويدهنّه، وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ : مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟ فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيماً جِدّاً. وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابّاً جَالِساً عَنِ الْيَمِينِ لاَبِساً حُلَّةً بَيْضَاءَ فَانْدَهَشْنَ. فَقَالَ لَهُنَّ : لاَ تَنْدَهِشْنَ ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ ! لَيْسَ هُوَ هَهُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. لَكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ (مرقس 16: 3 ـ 7).ولكن البشير مرقس يكتب بأنهنَّ َخَرَجْنَ سَرِيعاً وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئاً لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ (مرقس 16: 8)، وبعد ذلك نقرأ عن الظهورات أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها الشياطين، ثم لاثنين من التلاميذ كانا يمشيان منطلقين إلى البرية، وأخيراً ظهر للأحد عشر ووبخ إيمانهم وقساوة قلوبهم، لأنهم لم يصدّقوا الذي نظروه قد قام.

       والرسام الإنجيلي البارع لوقا هو الآخر، وبريشة المصوّر الفنان كتب عن القيامة، وفصّل اقتراب يسوع المسيح إلى التلميذين اللذين كانا منطلقين في ذلك اليوم إلى قرية بعيدة عن أورشليم  /60 / غلوة، اسمها عِمَّاوس، وكيف أنهما لم يعرفا الذي كان يمشي معهما حتى عندما قال لهما : أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ. أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ ؟ (لوقا 24 : 25 و 26)،ولم تنفتح أعينهما كما يقول لوقا إلا بعد أن اتَّكَأَ مَعَهُمَا أَخَذَ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا. فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا (لوقا 24 : 30 و 31).

والإنجيلي الأخير يوحنا الرائي ينقلنا إلى جو آخر من أجواء القيامة وبالتحديد إلى توما أحد الاثني عشر رسولاً الذي يقال له التوأم، ولم يكن مع التلاميذ عندما ظهر لهم يسوع وقال لهم : سلاَمٌ لَكُمْ. وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ (يوحنا 20 : 19 و 20)، ثم يكتب لنا أنه بعد ثمانية أيام كان تلاميذه كلهم داخلاً، وتوما معهم فظهر يسوع وقال : سلاَمٌ لَكُمْ (يوحنا 20 : 19)، ثم خاطب توما قائلاً :هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً. أَجَابَ تُومَا : رَبِّي وَإِلَهِي. قَالَ لَهُ يَسُوعُ : لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا (يوحنا 20 : 27 ـ 29).

فكل الإنجيليين اتفقوا على أن حدث القيامة هو الأهم في سلسلة الأحداث الإنجيلية، وبولس الرسول عرف كيف يجعل من قيامة السيد المسيح المحور في العقيدة المسيحية، لهذا عندما كان يخاطب أهل كورنثوس بيَّن لهم أن من ينكر قيامة أموات ينكر أيضاً قيامة المسيح، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ (1 كورنثوس 15 : 14ـ 19). لا يمكننا بعد أن نسمع بولس الرسول، وهو يربط بين قيامة أموات وقيامة السيد المسيح أن نحسب أنفسنا مع الصدّوقيين الذين كانوا ينكرون قيامة الأموات، وإنما نسعى بعملنا وسلوكنا في تجسيد الإيمان بالقيامة، أو كما نردد في قانون الإيمان : ونترجى قيامة الموتى والحياة الجديدة.

فبعد جهاد روحي، صامت خلاله الكنيسة صوماً حقيقياً، وعاشت في الآحاد السابقة لأحد القيامة، سلسلة أحداث إنجيلية منها : آيات ومعجزات اجترحها يسوع المسيح، كتحويل الماء إلى خمر في قانا الجليل (يوحنا 2 : 1 ـ 11)، وشفاء الأبرص (متى 8 : 1 ـ 4)، وشفاء المخّلع   (متى 9 : 1 ـ 8)، وشفاء ابنة الكنعانية (متى 15 : 21 ـ 31)، وفتح عيني الأعمى  (متى 12 : 22 و 23)، وأخيراً مثل السامري الصالح (لوقا 10 : 25 ـ 37). اقتربنا من عيد القيامة بأحد دخول السيد المسيح إلى الهيكل المعروف بـ : أحد الشعانين، ثم عشنا معه الآلام، وغسل أقدام التلاميذ، والصلب، والدفن، وها نحن نحتفل اليوم بعيد القيامة المظفرة، ونتطلع إلى الناهض من بين الأموات، أن يبارك خطواتنا لما فيه الخير، ويقوّينا لنكمل جهادنا الروحي في الحياة، ويمنحنا النعمة لنستمر في الخدمة والعطاء، فنحمل رسالة يسوع الخلاصية إلى العالم، ونستحق كما وعد تلاميذه أن نكون من أولئك الذين أرسلهم ليَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَيعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَيعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَاهمْ بِهِ (متى 28 : 19 و 20)، معتمدين بأن يسوع الناهض من بين الأموات سيبقى معنا إلى انقضاء الدهر.

في حدث القيامة توجد استحقاقات كما نقول في لغتنا اليوم، وبلغة الكنيسة هي تجليات  منها : أن يسوع المسيح بعد قيامته المظفرة من بين الأموات، ركَّز حديثه على السلام، لهذا نراه في واحدة من ظهوراته يخاطب تلاميذه قائلاً : سلاَمٌ لَكُمْ (يوحنا 20 : 19). أي أعطاهم سلاماً داخلياً روحياً، كيف لا وهو يُدرك أن الظروف التي ستحيط بهم ستكون مغلَّفة بالجزع، والخوف، والاضطراب، لهذا فإن منحهم السلام كان ليخفف من جزعهم وخوفهم واضطرابهم، كأنه يقول بعد القيامة حاجز الخوف لا وجود له في حياتكم، فمن تجليات القيامة إذاً أن نركِّز على هذا السلام الذي أعطاه السيد المسيح لتلاميذه، ولكنه في الوقت ذاته أشار على أن هذا السلام ليس كالسلام الذي يعطيه العالم، فما هو هذا السلام الذي يعطيه العالم ؟

إن طريق العالم هو بكل تأكيد غير طريق السيد المسيح، العالم يخترع الظروف والمناسبات لكي يهاجم فيها الإنسان أخاه الإنسان ويقضي عليه، فما معنى هذه الحروب والصراعات التي نراها في كل مكان، ضحايا، وشهداء، قتلى، وجرحى، ومصابون بالعاهات، وعاطلون عن العمل، ودمار للبشرية، وفساد للبيئة، من جراء الأسلحة الفتاكة، وما معنى أن تنتشر الويلات والخراب، والدمار، في كل بقاع الأرض، والإنسان يعتدي بمعرفة وبغير معرفة، بإرادة وبغير إرادة على أخيه الإنسان، ويفرض هيمنته عليه، ولا يفكر بالمعاني الروحية لمفهوم السلام الذي دعت إليه رسالة السماء، فالسيد المسيح يعطينا سلاماً كنهر متزايد ملآناً أبداً، يعطينا نوراً كنور الشمس، يزداد لمعاناً إلى النهار الكامل، يعطينا فرحاً ليس فيه غمٌ، أو حزنٌ، وإنما طريقٌ يؤدي إلى ملكوت الله.

إذاً السلام الذي نحتاج إليه في هذه الأيام، خاصة في هذه الظروف الاستثنائية التي نعيشها في سورية، هي واحدة من تجليات عيد القيامة، ألا بارك الله سورية بكل أطيافها، وشرائحها، وأديانها، ومذاهبها، ونفخ فيهم جميعاً نفحة السلام ليكونوا رسل سلام في مجتمعنا المؤمن، بتعددية الثقافات، واللغات، والاثنيات، والتيارات، وحفظ رئيس البلاد الدكتور بشار الأسد، وأمده بالقوة، والعزم، والحكمة، ليواصل عمله في رسالة الخدمة للوطن والمواطن، وبارك كل الجهود التي يبذلها المعنيون والمسؤولون من أجل ترسيخ مفاهيم سمات آمنت بها سورية، كالوحدة الوطنية، والعيش المشترك، والإخاء الديني، وجعل الله سورية قدوة حسنة في العمل الصالح الذي يجمع بين أبناء وبنات هذا الوطن.

المسيح قام… حقاً قام